Articles

الآلة البيولوجية الرائدة: تحدث أو اصمت أحيانا لتعبر عن وجودك

ذكرنا سابقا ( إنقر هنا لقراءة الجزء الأول ) أن البويضة هي الخلية الوحيدة في الجسم التي يمكنها إعادة برمجة Reprogramming  النوى الجسدية المزروعة وتضع المعيار الذهبي لجميع طرق إعادة البرمجة. لكن ما الذي يقود الخلايا المتحورة مثل الحيوانات المنوية و البويضة للتحول لخلايا كاملة القدرات Totipotent stem cells  بعد اندماج أنويتهما؟ السؤال بطريقة أخرى ما الذي حدث في الجينوم الجديد من تثبيط و تنشيط في الجينات أدى إلى إعادة تعبير الجينات كي تصبح خلايا جنينية قادرة على التحول لأي خلية بالجسم؟ السر يكمن في بروتيوم البويضة حيث تحتوى البويضة على آلاف البروتينات منها عشرات البروتينات الفريدة التي تكوِّن آلة إعادة ضبط البرمجة Reprogrammome هذا بالإضافة لوجود  الأحماض النووية الريبية الرسول messenger RNAs و الدقيقة microRNAs ، والدهون ، والجزيئات الصغيرة الأخرى التي تتضافر في آلة إعادة ضبط البرمجة.

في معظم الثدييات و بعد اتحاد الأمشاج لإنشاء كائن حي يكون الجينوم في البداية هادئ نسبيًا ، مما يسمح بإعادة برمجة البويضة الملقحة إلى حالة كاملة. تدريجيًا يتم تنشيط الجينوم من خلال عملية تُعرف باسم الانتقال من الأم إلى اللقحة (Maternal-to-zygotic transition) و اختصارا MTZ، والتي يحدث فيها إحلال الجينات الجينية الزيجوتية محل الجينات المتواجدة في الأم -أي الموجودة في البويضة. يمكن تقسيم عملية MZT إلى مراحلتين متداخلتين (شكل رقم 1):

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أولاً : يتم التخلص من جينات الأم إما بواسطة الأحمض النووية الريبية الدقيقة microRNAs أو بالإرتباط ببروتينات متخصصة تثبط عمل جينات الأم و تلغي وجودها.

ثانيًا : السماح لجينات اللقحة في التعبير و تشكيل القالب الأولي لتكوين الخلايا كاملة القدرات أو ما يسمى بتنشيط جينوم اللقحة Zygotic genome activation و اختصارا ZGA.

يختلف توقيت وحجم هذين الحدثين باختلاف الأنواع فالفئران يبدأ هذا التحول في الطور الثاني من الإنقسام الميوزي للبويضة أما في الإنسان يبدأ مباشرة بعد الإخصاب و اتحاد الأمشاج. إن تشكيل الكروماتين الجنيني أشبه بالمفتاح الكهربائي Switch من حيث الغلق و الفتح أو مثل الكلام و الصمت و لكن هذا التحكم يحدث بعمليات الدقيقة التالية على مستوى الكروماتين:

1- مَثيَلة الحمض النووي DNA methylation: خاصة مثيلة السيتوسين إلى 5-ميثيل-سيتوسين تثبط معظم جينات الأم و خاصة كروموسوم Xكخطوة هامة في MTZ. و على النقيض إزالة المثيلة global demethylation ستكون خطوة هامة في تنشيط جينات اللقحة ZGA.

2- التحور في الهستونات Histone modifications: خاصة أستلة الهستون histone acetylation H3k27ac و تحول مثيلة الليسين في الموقع 4 H3K4me3 والتي تنشط التعبير الجيني بينما في الموقع 27 H3K27me3 تؤدي إلى تثبيط التعبير الجيني وهذه التحورات بدورها تسمح أو تمنع وصول انزيمات نسخ الDNA للبدء في التعبير الجيني.

3- تغيير الهستونات Histone variants: حيث يتحول الهستون   H1 إلى H2  أو إلى H3 حيث أن أقلهم ثباتا هو H1 والذي يساعد في الوصول للحالة الساذجة naïve من بيئة الكروماتين التي بدورها تسهل عملية ZGA. على الوجه الآخر يلعب H2 دور النائب الحكيم placeholder لحماية وتوجيه التعبيرات الجينية و فوق الجينية epigenetics بعد مرحلة الإخصاب.

4- تعديل وضع النيوكلوسومات و إمكانية الوصول للكروماتين Nucleosomes positioning and chromatin accessibility: ويحدث هذا بواسطة cis-regulatory elements (CRM) أو العوامل القفازة Transposable elements و التي تساعد في تقارب أو تباعد النيوكلوسومات عن بعضها لبعض و بالتالي تسهل أو تصعب قراءة الجينوم.

5- محفزات تعبيرات الجينوم gene expression activators: حيث ترتبط بعض عوامل النسخ بالDNAو تحفز من عملية نسخه و تعبيره إلى mRNA لتبدأ عملية تخليق البروتينات و تنشيط الجنين ZGA. و من أهم هذه العوامل هي ZLD و OCT4 و NANOG و SOX و FoxA1 و Dux و غيرهم من العوامل التي تؤدي بشكل مباشر لتنشيط التعبير الجيني مباشرة بعد الإخصاب للوصول إلى ZGA. الجدير بالذكر أن OCT4 و SOX اختارهما العالم شينيا ياماناكا من ضمن عوامله التي تستخدم في إعادة برمحة الخلايا الجسدية لخلايا جذعية متعددة القدرات و تم منحه جائزة نوبل عام 2012 لهذا الإنجاز.

إن الخلل في هذه العوامل حتما سيوثر على الجنين إما بالموت المبكر و الخلل في هذه الجينات في الخلايا الجنينية أو البالغة يؤدي إلى عيوب وظيفية مثلما يحدث في ضمور العضلات الهيكلية حين يغيب عامل نسخ Dux. و على الجانب الآخر إذا زادت تعبيرات هذه العوامل في خلايا الجسم ستؤدي لجنون الخلايا و عدم السيطرة على انقسامات الخلية و تحولها لخلايا سرطانية خاصة عوامل OCT4 و NANOG و SOX. لهذا فإن تنظيم عمل الجينات كالانتقال من مرحلة الصمت إلى الكلام وأحيانا الصراخ في بعض المواضع هي عملية هامة لتكوين خلايا الجنين واستكمال الحياة الطبيعية.

أختم بهذه الأبيات:

إِنَّ القَليلَ مِنَ الكَلامِ بِأَهلِهِ حسَنٌ ** وَإِنَّ كَثيرَهُ بعض الوقت مَمقوتُ

إِن كانَ يَنطِقُ ناطِقاً مِن فِضَّةٍ **  فَالصَمتُ دُرٌّ زانَهُ ياقوتُ

تعريفات هامة:

الكروماتينChromatin : هو الDNA مرتبطا ببروتينات الهستونات التي تدعمه لتجعله مفرودا بطول الكروموسوم.

النيوكلوسومات Nucleosomes أو الجسيمات النووية: الوحدة الأساسية المتكررة في بناء الكروماتين وهي عبارة عن  بروتينات هستونية ملفوفة حول ال DNA في شكل أشبه بالعقد أو الخرز.

الهستوناتHistones  : هي بروتينات قلويه تساعد في تنظيم تركيب ال DNA داخل انوية الخلايا (شكل رقم 2).

الأحماض النووية الريبية الدقيقة microRNAs : مجموعة من من الأحماض غير المشفِّرة، تتراوح أطوالها بين 17 إلى 25 نيوكليوتيدة هذه الأحماض قد تثبط 100-200 حمض ريبوزي رسول mRNAمن خلال تحلّل الحمض الريبوزيّ الرسول المُستهدَف، لكنّ البعض الآخر يستهدف مرحلة ترجمة الحمض إلى بروتينات.

لقراءة الجزء الأول: https://nawah-scientific.com/blog20220214/‎

 

 

Back to list

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *