Articles

البويضة وقدراتها الهائلة – حولها نحوم

عجيب جدا أن ترى جنين به المئات من أنواع الخلايا المختلفة يولد بوزن 3 كيلوجرام بعد تسعة أشهر نتج من تجمع خليتين يكاد يكون وزنهما العدم. إن المتأمل في هذا يظن أن النمو السريع للخلايا الجنينية وتمايزها من خلية واحدة لهو أشبه بالخيال حيث إن هذا النمو يشبه النمو الورمي لكن مع وجود فوارق شاسعة بين نمط الانقسامات والتمايز الموجه للخلايا بحيث ينتح أعضاء متكاملة ونظام حيوي معقد يسمح بحياة كائن جديد قادر على التعايش في الحياة. هذه المقدرة أتت من خلية عملاقة نسبيا بها قدرات هائلة- إنها البويضة.  إن البويضة هي الخلايا الجرثومية Germ cells التي تستطيع أن تنقسم انقسام اختزالي في الأنثى خلافا عن الانقسام الميتوزي الموجود في بقية خلايا الجسم. هذه البويضة قادرة على عدة عمليات فسيولوجية تجعلها خلية فريدة في ذاتها وحمست العلماء لاستغلال أو محاكاة هذه القدرات في مجال علاج العقم أو الطب التجديدي. فمن هذه العمليات:

  • مقدرة البويضة على تكوين أجنة بعد الإخصاب بحيوان منوي. عند التقاء نواة الحيوان المنوي بنواة البويضة إما طبيعيا أو صناعيا -كما هو الحال في أطفال الأنابيب- يتم دمج الأنوية و تكوين اللقحة Zygote و من ثم تنقسم اللقحة إلى خليتين ثم تتوالى الانقسامات إلى أن تصبح توتية Morula . و هذه الخلايا قادرة أن تتحول إلى أجنة كاملة متشابهة في المادة الوراثية إذا تم تقسيم الأجنة لعدة خلايا و غرثها في رحم الأنثى و تسمى هذه الخلايا ب”كاملة القدرات” Totipotent cells. بعد مرحة التوتية تبدأ الأجنة بتمايز أول خلايا و هي التروفوبلاست Trophoblast التي ستلتصق بجدار الرحم لتكوين أنسجة المشيمة مع الاحتفاظ بكتلة من الخلايا الجنينية الأخرىInner cell mass  التي ستكون جميع الخلايا الجسدية و أعضاء الجنين و هذه الخلايا تسمى بالخلايا متعددة القدرات Pluripotent cells.
  • مقدرة البويضة على تكوين أجنة بدون الإخصاب بحيوان منوي. حيث إن هذه ظاهرة طبيعية في بعض الحيوانات اللافقارية والحشرات والأسماك و تسمى بالتوالد العذري Parthenogenesis و بها تلد الإناث حيوانات دون التلقيح من ذكور. وأيضا تحدث هذه العملية بأسلوب اصطناعي في بويضات الثدييات حيث يتم تنشيط البويضات إما بنبضات كهربائية أو مواد كيميائية تجعل هذه البويضة قادرة على تكوين أجنة قابلة للحمل لكنها لا تستطيع أن تكمل الحمل للنهاية للاضطراب الجيني المتسبب بغياب جينات الذكور.
  • مقدرة البويضة على إعادة برمجة الخلايا الجسدية عند حقنها في البويضة منزوعة النواة في عملية تسمى الاستنساخ Cloning. هذه التقنية تشمل نزع المادة الوراثية للبويضة ثم حقن نواة الخلايا الجسدية ودمجها كهربائيا أو كيميائيا بالبويضة Somatic cell nuclear transfer  و من ثم تتبرمج هذه الخلايا لتصبح totipotent  و من بعدها trophoblast  و pluripotent كما ذكرنا سابقا. نجحت أول محاولة لاستخدام هذه التقنية في الضفادع عام 1958 بواسطة العالم جون جوردون وأول حيوان ثديي يولد بهذه التقنية عام 1996 هو النعجة دولي بواسطة العالم أيان ويلموت.
  • مقدرة البويضة على برمجة الخلايا الجسدية عند حقنها في بويضة غير منزوعة النواة. حيث يتم حقن الخلايا الجسدية في البويضة في طور الانقسام الميوزي الأول لاستكمال عملية الإنقسام الميوزي و إجبار الخلايا الجسدية على الانقسام الميوزي أيضا في عملية تسمى Haploidization و التي استغلها الباحثون في انتاج نطف معملية و أنوية قادرة على أن تخصب البويضات و تنتج أجنة في محاولة لعلاج العقم الكامل عن الذكور و الإناث.
  • مقدرة مستخلص البويضات في إعادة برمجة الخلايا الجسدية لتكون خلايا متعددة القدرات Pluripotent. حيث يتم استخدام بروتينات البويضة وخلطها بالخلايا الجسدية كمحاكاة لعملية الاستنساخ و لكن الخلايا التي تنتج من هذه التقنية تفتقر للعوامل التي تجعلها فائقة القدرات و لا تستطيع تكوين أجنة كاملة إذا تم زرعها في رحم الأنثى.
  • مقدرة بعض العوامل الموجودة في البويضة على إعادة برمجة الخلايا الجسدية لتصبح متعددة القدرات. حيث قام العالم شينيا ياماناكا عام 2005 بتحليل بعض العوامل المتواجدة في البويضة و قادرة بشكل ملحوظ على برمجة الخلايا الجسدية و سميت الخلايا الناتجة بالخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدراتInduced pluripotent stem cells و هذه العوامل شملت أربعة بروتينات عوامل نسخ تسمى بعوامل ياماناكا وهي Oct4 و Sox2و c-Mycو Klf4 حيث أدت هذه العوامل لتوجيه خلايا الجلد لتصبح مشابهة للخلايا الجنينية في أن يتم تمايزها لخلايا عصبية أو دهنية أو عظمية.

 

إن هذه القدرات الهائلة للبويضات في إعادة برمجة الخلايا و تكوين الأجنة الحية تسببت في شكل مباشر لمنح جائزة نوبل في الطب عام 2010 للعالم الكبير روبرت إدواردز الذي أجرى أول محاولة لولادة لويز براون كأول مولودة من الإخصاب الصناعي للبويضات أو طفل الأنابيب عام 1978 . وهذه التقنية بالإضافة لحقن الحيوان المنوي مجهريا أدت لولادة ملايين البشر الذين يعيشون بيننا الآن و أضفت السعادة على من كانوا يحلمون بأطفال و إحساس الأمومة و الأبوة. و أيضا منحت جائزة نوبل في الطب عام 2012 مناصفة بين العالمين جون جوردون و شينيا ياماناكا في أول محاولاتهم لاستغلال عوامل البويضة في إعادة برمجة الخلايا الجسدية و إنتاج خلايا فائقة totipotent  أو متعددة القدرات Pluripotent.

إن دراسة هذه الآلة البيولوجية المتمثلة في البويضة فتحت مجالات عديدة في الطب التجديدي وانتاج الخلايا الجذعية القادرة على التحول لخلايا أعضاء هامة كالكبد أو المخ أو البنكرياس أو القلب. إذا تطرقنا لاستخدام البويضة في انتاج أجنة مستنسخة من مريض ما ومن ثم استخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات المشتقة من هذه الأجنة سوف نحصل على خلايا متمايزة تكون سببا لشفاء هذا المريض لاسيما إذا كان لديه بعض الأعضاء التالفة التي لا يمكن علاجها دوائيا. ولكن هذه التقنية بها بعض الأمور الأخلاقية الشائكة التي قد تحرم من التعامل مع الأجنة والتخلص منها حتى في أيام تكوينها الأولى. لهذا يميل العلماء لاستخدام تقنية ياماناكا حيث لا تستخدم الأجنة ويستعاض عنها بعوامل محددة لتوجيه الخلايا الجسدية لتكوين خلايا جذعية قادرة على التحول لخلايا الجسم المختلفة بل وقد تستخدم هذه الخلايا لإنتاج أشباه أجنة مصطنعة blastoids قادرة على التحول الكامل لخلايا الجنين بما فيها خلايا المشيمة كما تم نشر هذه النتائج حديثا.  و أيضا بالإمكان إضافة بعض العوامل و البيئات المختلفة خلال زرع الخلايا المستحثة لتصبح خلايا موسعة القدرات Expanded potential stem cells  و التي تشبه في خصائصها الخلايا فائقة القدرات من حيث تكوين الخلايا الجسدية المختلفة بالإضافة لتكوين خلايا المشيمة.

هذه فقط مقدمة لسلسلة سنحوم فيها بالتفصيل حول قدرات البويضات وما الذي نأمل ونتطلع إله من محاكاة هذه القدرات الفائقة في مجال الاستنساخ و الطب التجديدي و نقل الأعضاء.

نوع الخلية الجذعيةالمصطلح بالإنجليزيةقدرتها على التمايز
كاملة القدراتTotipotentتكوين الجنين و خلايا المشيمة وولادة كائن حي
موسعة القدراتExpanded potentialتكوين خلايا الجنين و خلايا التروفوبلاست (معمليا)
متعددة القدراتPluripotentالتمايز لخلايا الجسم المختلفة
معدودة -محدودة- القدراتMultipotentالتمايز لعدد محدد من الخلايا مثل نخاع العظم و دم الحبل السري
قليلة القدراتOligopotentالتمايز لعدد قليل من الخلايا مثل خلايا المشيمة وتوجد في معظم أنسجة الجسم لتعويض الخلايا التالفة
ثنائية القدراتBipotentتتميز لنوعين من الخلايا مثل خلايا الكبد وخلايا القناة المرارية
وحيدة القدراتUnipotent or Precursorتتميز لنوع واحد من الخلايا كالخلايا السالفة

الكاتب

دكتور إسلام سعدالدين

أستاذ باحث بجامعة شونجنام بكوريا الجنوبية وحائز على عدة جوائز علمية عالمية ومحلية

islamsaad82@gmail.com

Back to list

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *