ذكرنا سابقا (مقال 7) الحاجة الماسة لنقل الأعضاء لإنقاذ حياة البشر في حالة تلف العضو من الإلتهابات المزمنة أو السرطانات أو الجلطات و فكر العلماء لإيجاد أنسب الحلول في عملية نقل الأعضاء و البقاء على حيوية الأعضاء أطول فترة ممكنة. لكي ندرك هذه الأهمية لابد أن نسترجع الخلفية الفسيولوجية للحفاظ على حيوية الأعضاء. تتطلب خلايا الثدييات الأكسجين للحفاظ على بقاء حيوية الخلايا والأنسجة. لكن بعد توقف القلب و في غضون دقائق قليلة بعد نقص تروية الدم ( ischemia) تضطرب عمليات الأيض الحيوية داخل الخلايا مما يؤدي لارتفاع الحموضة والوذمة edema ويتبعهما إصابة الأغشية والعضيات مما يؤدي غالبًا إلى موت الخلايا.
بالنطر إلى الجسم كله، بعد الوفاة تفرز هرمونات وسيتوكينات، يليها تنشيط الجهاز العصبي اللاإرادي وزيادة في مستوى البوتاسيوم، والجهاز المناعي وتخثر الدم و فشل الأعضاء عن الوظائف كليا. ومع ذلك، فإن الدراسات الحديثة تتساءل عن حتمية موت الخلايا حتى بعد ساعات من انقطاع الدورة الدموية ونقص تروية الدم. يمكننا جمع الخلايا القابلة للحياة من أعضاء متعددة والحفاظ عليها باستخدام الزراعة المختبرية بعد نقص تروية الدم لفترة طويلة و حتى بعد تبريد أو تجميد الأنسجة. وبالمثل، يمكن تعزيز التعافي الخلوي للأعضاء الكاملة باستخدام التروية Reperfusion خارج الجسم كما حدث في القلب والكبد والكلى والرئتين و حديثا في المخ و هو أكثر الأعضاء حساسية للتلف بعد نقص الأكسجين و نقص التروية.
ومع ذلك ، فإن تطبيق مثل هذه التقنيات على تعافي الجسم بالكامل بعد نقص التروية لساعات لا يزال يمثل تحديات كبيرة نظرا لما ذكرناه سابقا من تخثر الدم والخلل المصاحب للأوعية الدموية الدقيقة ، والالتهاب ، والخلل الخلوي الداخلي الذي يتبع نقص التروية الدموية. في عام 2016 تم توثيق إعادة ضخ الدم للجسم بالكامل وتعافي المخ و تعافي تحاليل الدم بعد 20 دقيقة من وقف عمل القلب circulatory arrest في الخنازير.
فهل يمكن أن نحتفظ بحياة الأعضاء في الجسم كاملا بعد فترة أطول من الوفاة ؟ ففي هذه الفترة قد يسهل من نجاح نقل أكبر عدد ممكن من الأعضاء أو نقلها من مكان لآخر و قد يعزز فرص مختلف التخصصات السريرية و أيضا يساعدنا في فهم تحمل الخلايا المختلفة للمعيشة في هذه الظروف المميتة.
قد أجيب على هذا السؤال في مقالة هامة جدا تم نشرها حديثا في يوم 3 أغسطس 2022 في دورية نيتشر -و استكمالا لما نشره الفريق البحثي لإنتاج سائل BrainEx الذي استعاد حياة المخ في عام 2016 – حيث استحدث الفريق محلول OrganEx الذي قد استعاد وظائف خلايا و أعضاء جسم الخنزير بعد من نقص التروية الدموية و وجود الجسم في درجة حرارته الطبيعية (حوالي 36-37 درجة مئوية) ثم تبريده لدرجة 28 درجة مئوية لمدة ست ساعات.
استخدم الفريق مضخات خاصة لسحب وحقن هذا المحلول في الوريد و الشريان الفخذي للخنزير بعد فلترته و إضافة بعض العقاقير المانعة للتجلط كالهيبارين و ضبط النبض و نسبة الغازات و الضغط و نواتج الأيض المختلفة. تم خلط محلول OrganEx بنسبة متساوية مع دم الخنزير بعد سحبه من الجسم مباشرة بعد نقص التروية الدموية و تركيبه في المضخات المخصصة للحقن في الجسم لمدة ست ساعات. يلاحظ في تركيب محلول OrganEx (جدول 1) أنه يحتوي على هيموجلوبين لنقل الأكسجين و بعض الأدوية اللازمة للحفاظ على حيوية الخلايا مع ضبط الضغط الأسموزي و التوازن الأيوني و العبء الأكبر على الجهاز الخاص بسحب و ضخ و فلترة الدم المختلط بالمحلول و خلطه بالأدوية و مانع التجلط و المشابه لجهاز غسيل الكلى بالإضافة لتوليده نبضات مشابهة لنبضات القلب و الشرايين.
وجد الفريق أن تقنية ونظام OrganEx قد حافظ على سلامة الأنسجة، وقلل من موت الخلايا واستعاد العمليات الجزيئية والخلوية المختارة عبر أعضاء حيوية متعددة مثل المخ والقلب و الكلى و الكبد و العين. وكشفت التحاليل وجود فروق نسبية بين أنماط التعبير الجيني الخاصة بنوع الخلية (عصبية أو قلبية أو دموية أو مناعية أو كبدية أو كلوية و غيرها من الخلايا) والعضو والتي تعكس عمليات إصلاح جزيئية وخلوية محددة.
تطبيقات هذه الدراسة ستحسن من تقنيات نقل الأعضاء بالإضافة لفهم أيض و تحمل الخلايا المختلفة بعد نقص التروية الدموية وإمكانية استعادة وظائف الخلايا و الأعضاء في حالات خطرة كالجلطات و السكتة الدماغية و الحوادث و النزيف الحاد و توقف القلب.
مكونات OrganEx |
الوظيفة |
المحلول الأساسي |
|
Sodium Chloride, Sodium Bicarbonate
Magnesium Chloride, Magnesium Sulfate, Calcium Chloride, Ferric Nitrate, Sodium Phosphate monobasic |
ضبط التوازن الأيوني و الضغط الأسموزي |
Glucose, Dextrane |
مصدر الطاقة و ضبط الضغط الأسموزي |
Glycine, L-Alanyl-Glutamine, L-Arginine hydrochloride, L-Cystine
L-Histidine hydrochloride-H2O, L-Isoleucine, L-Leucine, L-Lysine hydrochloride, L-Methionine, L-Phenylalanine, L-Serine, L-Threonine, L-Tryptophan, L-Tyrosine, L-Valine |
أحماض أمينية |
Choline chloride, D-Calcium pantothenate, Folic Acid, Niacinamide
Pyridoxine hydrochloride, Riboflavin, Thiamine hydrochloride, i-Inositol |
فيتامينات |
المكون الدوائي |
|
Hemopure ® (HBOC-250) |
هيموجلوبين (بقري) لنقل الأكسجين |
Hexahydro-2-imino-1H-thieno[3,4-d]imidazole-4-pentanoic acid (2-Iminobiotin) |
تثبيط مخلق أسيد النيتريك (حفظ الخلايا) |
5-(1H-Indol-3-ylmethyl)-3-methyl-2-thioxo-4-Imidazolidinone (Necrostatin-1) |
تثبيط موت الخلايا necroptosis |
5-(2,6-Difluorophenoxy)-3-[[3-methyl-1-oxo-2-[(2-quinolinylcarbonyl)amino]butyl]amino]-4-oxo-pentanoic acid hydrate (QVD-Oph) |
تثبيط إنزيمات موت الخلايا Caspase |
Sodium 3-Hydroxybutyric Acid |
جسم كيتوني لضبط الحموضة والأيض |
Glutathione Monoethyl Ester, Methylene Blue |
مضاد أكسدة |
Minocycline, Lamotrigine |
الحفاظ على الخلايا العصبية |
Ceftriaxone |
مضاد حيوي |
Cetirizine |
مضاد حساسية |
Dexamethasone |
مضاد التهابات |
- مقالات سابقة للدكتور إسلام | إنقر هنا