خلال دراستي في علم الأجنة ومقاومة الخلايا للظروف القاسية كالحرارة والبرودة تعلمت الكثير عن أعاجيب الخلايا وتصرفاتها فوجدتها ما هي إلى صورة مصغرة للكائنات الحية وكيف لا وهي وحدة بناء الكائن الحي.
كمون الأجنة Diapause
ظاهرة فريدة تحدث لبعض أجنة الحيوانات مثل الدب والغرير والفئران والجرابيات كالكونغر و فيها تكمن الأجنة عن الانقسامات الخلوية الأولية و تؤجل من التصاقها بالرحم حتى تهيئ لها الظروف البيئية و الغذائية أو الهرمونات المناسبة لإكمال فترة الحمل المجهدة على الأمهات. ولوحظت أيضا في بعض أجنة الأغنام والبشر لساعات أو بضعة أيام. العامل المحتمل لحدوث مثل هذه الظاهرة هو تعبير بعض الجينات المؤدية لوقف انقسام الخلايا مع تقليل مستوى الأيض في الأجنة بحيث يحدث تعليق مؤقت للنشاطات والانقسامات في هذه الأجنة.
السبات الشتوي Hibernation or torpor
تحدث هذه الظاهرة في بعض البرمائيات والزواحف والقوارض كالسنجاب في موسم الشتاء الجليدي حيث تنخفض درجة الحرارة لدرجات تحت الصفر بها يستصعب معيشة هذه الكائنات و الحصول على الغذاء. في هذه الظاهرة تنظر للحيوان كأنه ميت ومجمد لحين تهيئ الظروف البيئية المناسبة له فيتحول لكائن حي عادي جدا. أثبت العلماء حديثا وجود خلايا عصبية مثل glutamatergic Adcyap1-positive cells في منطقة تحت المهاد hypothalamus في المخ مسؤولة عن هذه العملية الفسيولوجية والشيء المميز لهذه الفترة هو تقليل الأيض والتمثيل الغذائي لأدنى مستوى يضمن بقاء الخلايا حية لمن لا تقوم بوظائفها العادية
التغشية الشتوية Brumation
تحدث هذه الظاهرة في الحيوانات ذوات الدم البارد مثل الزواحف والبرمائيات حيث تختبئ تحت الأرض وفي الشقوق الصخرية وفي الجحور لتظل دافئة وآمنة. ينخفض نشاطهم ودرجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب ومعدل التنفس مثل السبات الشتوي تماما و عندما ترتقع درجة الحرارة تتحرك لتجد الماء و الغذاء.
التثبيط الحراري Estivation
تحدث هذه الظاهرة في بعض الحشرات و الرخويات و البرمائيات كالسلاحف في موسم الصيف شديد الحرارة وقليل الرطوبة حيث يمكن للكائن الحي فقدان أكثر من نصف كمية المياه التي بداخل جسمها وتنظر للحشرة كأنها ميتة جافة لحين تهيئ الظروف البيئية المناسبة له فيتحول لكائن حي عادي جدا.
استعادة الحياة Anastasis
تحدث هذه الظاهرة مختبريا -معمليا- وتنظر للخلايا كأنها ميتة ويتغير شكلها للشكل الدائري و تفقد بعض من بروتينات هيكل الخلية التي تحافظ على شكلها و حركتها لحين تهيئ الظروف البيئية المناسبة لزرع الخلايا فتتحول لخلايا طبيعية. وقد لاحظت هذه الظاهرة في خلايا الإبل خاصة و عند تحليل البروتينات الخاصة بهذه الخلايا بقنية البروتيوميكس وجدنا أن الخلايا تزيد من انزيمات إصلاح الحمض النووي و تزيد من بروتينات المقاومة للحرارة heat shock proteins للحفاظ على وظائف البروتينات الأخرى و إصلاح البروتينات التي تم تدمير أجزائها أو تشويه شكلها بالصدمات الحرارية. والشكل 1 يوضح التغيرات التي تحدث للخلايا عند تعرضها للحرارة المميتة وبعد الرجوع للحرارة الطبيعية.
مخزون البويضات Oocyte reservoir
تتكون البويضات في جسم الإنسان أو الحيوان في المراحل الأولى من الحمل و تظل ساكنة وراكدة لحين الوصول لمرحلة البلوغ وبداية الدورة الشهرية و إكمال الانقسام الميوزي لبعض البويضات شهريا مع خمول البعض الآخر و هو “المخزون” حتى الوصول إلى مرحلة انقطاع الدورة الشهرية في سن الأربعينات. حديثا و على غير المتوقع في دراسة تم نشرها في دوريت نيتشر في يوليو 2022 تم فهم كيفية حماية البويضات و معيشتها لعشرات السنين بدون أي ضرر على حيويتها و مقدرتها على الانقسام و الإخصاب و تكوين الأجنة. السر يكمن في التعطيل الموجة لنشاط الميتوكوندريا و خاصة المركب “mitochondrial complex I” الموجود في بيت الطاقة الميتوكوندريا و المسؤول الأول عن توليد الشقائق الحرة free radicals فبالتالي تدخل البويضات في مرحلة “هدوء نسبي dormancy أو quiescence” يقلل من توليد الشقائق الحرة بينما يسمح بإنتاج ال ATP للحفاظ على حياة البويضة. هذا النموذج أيضا يعتقد وجوده في بعض الخلايا العصبية و الخلايا الجذعية المكونة للدم التي تستمر عشرات السنين طيلة حياة الإنسان.
كيف نستفيد من هذه الظواهر؟
- حفظ الأجنة والخلايا والأنسجة في بيئات مناسبة لفترات طويلة: إذا عرفنا كيفية تثبيط الانقسامات يمكن إضافة هذه العوامل على الخلايا للحفاظ على حيويتها وبقائها في بيئة مناسبة لحفظها حتى في درجات حرارة غير منخفضة أو السائل النتروجيني.
- اكتشاف انزيمات جديدة وبروتوكولات غير تقليدية: وهنا يمكن الاستفادة من انزيمات بطريقة مبتكرة مثل ما حدث عند اكتشاف انزيم “تاك” Taq polymerase حيث يعمل هذا الإنزيم و يتحمل درجات حرارة تصل الي 95 درجة مئوية و تم الاستفادة منه في تقنية تفاعل البلمرة المتسلسل polymerase chain reaction (PCR) المعروف بتطبيقاته المختلفة في الكشف عن الجينات و الأحماض النووية.
- اكتشاف أدوية لاستعادة حيوية الخلايا وتقليل الشيخوخة وذلك لتحفيز الخلايا على إصلاح تشوهات البروتينات من أي خطر بيئي أو إشعاعي.
- استهداف مقاومة الخلايا إما تعطيل لمواجهة الخلايا الضارة كالسرطان أو إما زيادة المقاومة كما في العلاج بالإشعاع خلال قتل الخلايا السرطانية
- مقالات سابقة للدكتور إسلام | إنقر هنا